واصل الخبراء والباحثين والمتخصصين الدوليين المهتمين بالبيئة البحث عن أفضل وأنجع الحلول لمحاربة التصحر، متناوبين على المشاركة بأوراق عملٍ في جلسات علمية ضمن فعاليات الورشة الدولية لمكافحة التصحر التي تنظمها الوزارة في مدينة الرياض .
وأكد عدد من هؤلاء الباحثين والمختصين في مكافحة التصحر وإدارة المناطق الجافة ضرورة ايجاد أهداف مستدامة للتنمية الزراعية وتحديد العقبات التي تعترض تحقيقها ، والعمل على وضع خطة لتحقيق الاستصلاح للأراضي من خلال مشاركة جميع القطاعات ذات العلاقة وبوجود قيادات قوية تستطيع التغلب على الكثير من التحديات في هذا المجال .
وأشاروا في الجلسة الثالثة التي كانت بعنوان " الادارة المستدامة واعادة التأهيل للمراعي الجافة والشديدة الجفاف والغابات " وذلك ضمن ورشة العمل الدولية عن مكافحة التصحر والطرق المبتكرة في ادارة المناطق الجافة والتي نظمتها وزارة البيئة والمياه والزراعة في الرياض ان نحو 45 في المئة من الاراضي في العالم تعاني من التصحر ، ونحو 90 في المئة من المياه تتبخر، وطالبو بضرورة الاهتمام بالزراعة المائية خصوصا وان الدراسات والبحوث اثبتت نجاحها .
وقال منسق منظمة الابحاث العلمية والصناعية لدول الكومنويلث – استراليا – الدكتور مارك استافورد سميث في ورقته التي بعنوان " استخدام اهداف التنمية المستدامة كاطار لعلاج متكامل للإدارة المستدامة للمراعي " ان العالم يعاني من التصحر مما يتطلب وجود اهداف مستدامة للتنمية الزراعية وكذلك وجود نظام يحافظ على هذه التنمية المستدامة مع تحديد العقبات التي تعترض عمل هذه التنمية .
واشار الى ان حوالي 45 في المئة من الاراضي في العالم تعاني من التصحر وهناك نمو كبير في عدد السكان وجميعهم يعتمدون على الموارد الطبيعية ، اضافة الى زيادة مساحة العمران والتلوث البيئي والعولمة والتغير المناخي العالمي كل ذلك يحتاج الى دراسة للوصول الى استنتاجات واتخاذ القرارات بما يتناسب مع التنمية المستدامة ، واكد على ضرورة تعاون الحكومات والمجتمعات لدراسة كثير من الظواهر التي تسببت في انتشار التصحر في مختلف انحاء العالم.
من جانبه اكد مدير برنامج الادارة المتكاملة للمياه والتربة بالمركز الدولي للأبحاث الزراعية في المناطق الجافة الدكتور ذيب عويس في ورقته التي كانت بعنوان " حصاد مياة الامطار من اجل استصلاح للمراعي الجافة المتدهورة " ان المناطق الجافة تؤثر على المناخ بشكل عام حيث ان 90 في المئة من الماء الموجود يتبخر مما يتطلب المحافظة على المياه الموجودة في التربة لان ذلك يساهم في استعادة مصادر المياة وتعزيز نمو النباتات والعمل على تهيئة مستودعات للحفاظ على المياه مما سيخلق نوع من التنمية المستدامة . واكد على ضرورة الاستفادة من نظام الزراعة المالية حيث اثبتت الدراسات والبحوث نجاحها في كثير من الدول ومنها الاردن .
وقال الدكتور انثوني ج ميلر من مركز نباتات الشرق الاوسط ، الحدائق الملكية في ادنبرة بالمملكة المتحدة في ورقته التي كانت بعنوان " النباتات الحالية والمحتملة في السعودية – الاثار المترتبة على برامج اعادة التاهيل والتخضير " ان المنطقة الشرقية والشمالية من المملكة تعاني من ضعف في الحياة النباتية نتيجة الجفاف الذي تشهده من وقت الى اخر مما يتطلب الاهتمام بها ، لافتا الى انه قام بدراسة لمناطق الاشجار في المنطقة الوسطى ووجد انه يغلب عليها الاشجار ذات الجذوع الكبيرة ، فيما المنطقة الغربية والجنوبية ذات حياة نباتية كثيفة تحتاج الى عناية لكي تنمو بشكل افضل . واوضح ان من المشاكل التي تواجهها المملكة ان الاشجار التي تنمو في الشمال من الصعب زراعتها في الجنوب وبالعكس نتيجة اختلاف الجينات التي هي بحاجة الى دراسة في ظل عدم وجود علماء مختصين في ذلك ، اضافة الى ان كثير من اراضي المملكة تعاني من الرعي الجائر مما اثر على نمو النباتات . واكد على ضرورة استصلاح الاراضي والحياة النباتية في المناطق الصحراوية والقيام بدراسات وابحاث في هذا المجال لمعرفة ماهي النباتات التي يمكن زراعتها بشكل جيد .
وفي الورقة الرابعه التي قدمها الدكتور حسني اللقاني من قسم ادارة موارد الغابات بجامعة كولومبيا البريطانية بكندا والتي كانت بعنوان " نحو تغيير السياسة الانتقالية الاستراتيجية الى ادارة متكاملة للمياة والارض في المراعي القاحلة والغابات " اكد على اهمية حفظ الموارد البيئية والتفكير بمصادر اخرى للمياة وتوحيد السياسات والخطط لتحقيق اهداف استصلاح الاراضي وتجنب تدهور التربة والارض ، مشيرا الى ان معظم الموارد المحلية والدولية يتم تطبيقها على المواقع ولا يتم تنفيذها . واكد على ان التغيير المحوري يبدء بالمنظمة التي تقوم بهذا التغيير حيث يجب ان نبداء بدراسة الخطوات المتبعة والموارد الموجودة ثم العمل على تنفيذها من خلال مساهمة القطاعات المختلفة ذات العلاقة ويقوم بذلك قادة اقوياء بعد توفير الموارد المالية المطلوبة . واضاف انه يجب التغلب على كثير من التحديات والعمل على ايجاد خطط واستراتيجيات متداخلة مع القطاعات المختلفة للعمل على التنمية المستدامة للغطاء النباتي في مختلف الدول .
وذهب الخبراء المتحدثون في الجلسة الثالثة باتجاه محور آخر، ذو علاقة بتأثيرات التغير المناخي والتصحر على الاراضي الجافة، مشيرين إلى أنه من المرجح ان يتجاوز المتوسط العالمي السنوي لدرجات الحرارة بمقدار درجتين. وقالوا إن التغير المناخي يزيد من تفاهم نقص المياه والغذاء ويكلف العالم سنويا 1.6 تريليون دولار.
من جهته أكد سكرتير هيئة المستشارين البين الحكومية عن التغير المناخي عبدالله مقصد، ان التحديات التي نواجهها بسبب تغير المناخ حقيقية وعاجلة اكثر من اي وقت مضى وفقا لتوقعات انه من المرجح ان يتجاوز المتوسط العالمي السنوي لدرجات الحرارة بمقدار درجتين، مطالباً من الدول العالمية في مكافحة التصحر لتجنب زيادة درجات الحرارة العالمية لهذه المستويات. وقال مقصد، إن التغير المناخي يزيد من تفاقم العديد من المخاطر مثل قلة المياه ونقص الغذاء ورفع المعدلاتالمخاطر الامنية والاجتماعية كما يودي التغير المناخي الى تهديد الانتاج الزراعي العالمي مما يودي الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية.
من جهة اخرى، أوضح الباحث من جامعة بون المانيا د. اليشر ميرزابيف، أن التصحر يمكن ان يودي إلى ارتفاع نسبة الفقر وتدني الامن الغذائي كما ان النظم البيئية الرئيسية التي من المفروض المحافظة عليها وعلى الموارد الطبيعية لا تزال تتعرض للاستنفاذ والتدهور، فان الجفاف وتغير المناخ وندرة المياه زاد من تفاهم تدهور الموارد الطبيعية.
وقال ميرزابيف، إن زيادة عدد ا لسكان وتغير نمط النظام الاجتماعي وتغير نظم الاستغلال والانتاج ادى إلى تدهور الموارد الطبيعية والبيئية نتيجة متزايدا لزيادة السكان وارتفاع معدلات النمو والزحف العمراني على الاراضي الزراعية واستخدام الانسان للموارد الطبيعية، كلها ساهمت في زيادة معدلات التصحر.
من جهة اخرى أشارت الخبيرة في منظمة الأغذية والزراعة، ادريانا ايجناشيوك، إلى أن تسارع معدلات التصحر تظهر كالمرض الذي يزحف وينتشر ليدمر هذه الجهود ويودي لتزايد مشاكل تدهور الاراضي في العالم، خاصة مع استمرار تراجع الغطاء النباتي وتدهور المراعي بمالها من تاثيرات، وكنتيجة للتصحر تتراجع قدرة استخدامات الاراضي على تحقيق اهدافها فعلى الرغم من تطور مساحة الاراضي الزراعية الا ان متوسط نصيب الفرد من الاراضي الزراعية بالعالم مهدد بعدم الاستقرار.
وأوضحت ايجانشيوك، أن معظم أراضي الدول العربية متصحرة أو مهددة بالتصحر، بفعل عوامل بعضها بشري وبعضها الاخر مناخي، مما يودي إلى الاخلال بالتوازن الطبيعي وإلى الاضرار بالغطاء النباتي، ونتيجة لزحف التصحر، تتراجع الطاقة الانتاجية للمساحات الزراعية وتتسع الفجوة الغذائية في دول العالم، التي يتزايد مع الوقت، اعتمادها على الاستيراد لسد احتياجاتها الاساسية من الغذاء.
من جهة اخرى قال المختص من مركز الابحاث والدراسات البيئة جامعة جازان د. اسامة علي، إن موضوع الكربون الازرق يكتسي باهمية كبيرة للمملكة والعالم، مشيراً إلى كيفية توضع الانظمة الايكولوجية للكربون الازرق بمافي المانغروف، على طول السواحل البحرية الغربية والشرقية في المملكة.
و أضاف: لقد جرى الحفاظ جيداً على بيئة المملكة وهذا أمر ينبغي أن يستمر لأجيال. وبصورة فريدة من نوعها، لم تفقد أشجار المانغروف في المملكة، بل كانت مساحتها تزداد بنسب كبيرة. ويعود هذا إلى الجهود التي بذلتها المملكة في مجال تطبيق استراتيجيات المحافظة والترميم، بالإضافة إلى جهود مؤسسات في القطاع الصناعي سواء الخاص او الحكومي.
من جهته قال استاذ بمعهد ابحاث علوم الحياة والبيئة كاكست محمد الشامسي، إن التغير المناخي يكلف العالم سنويا 1.6 تريليون دولار، وزيادة الاضرار الاقتصادية للدول من زيادة التصحر ، في حين تدهور مساحات كبيرة من الأراضي بصورة شديدة نتيجة للتصحر. ومن المقدر أن تزداد مساحة الأراضي الجافة في العالم العقد المقبل،مشيراً إلى أن المناطق الصحراوي قد تزيد على حساب الاراضي الزراعية، وتقف عوامل بشرية وطبيعية وراء اتساع رقعة المناطق الصحراوية.
من جانبها طالبت الدكتورة باولا اغوستيني جميع المشاركين بالتفاؤل وترك البكاء على اللبن المسكوب، عبر صناعة مستقبل البشرية واستصلاح ما تدهور من الأراضي الخضراء، واستعادتها للعطاء من جديد لخدمة سكان الأرض بشراً كانوا أو حيوانات، وذلك من خلال جملة من التدابير أهمها تغيير السياسات والاستراتيجيات الوطنية، ووضع محاربة التصحر وإصلاح البيئة ضمن أهم المعايير التي تقوم عليها إي من تلك الإستراتيجيات أو السياسات.
وربطت التفاؤل الذي دعت إليه بالجدية في العمل نحو محاربة التصحر الذي بات يسيطر على ٧٠٪ من مساحة الكرة الأرضية، مشددةً على أن دول العالم عموماً والمسؤولين على القطاع الزراعي في هذه الدول على وجه الخصوص أما تحدٍ كبير، يتمثل في استعادة مليارا هكتاراً من الأراضي الخضراء المتدهورة أو آيلة إلى التدهور، عبر إعادة النظر في إدارة الموارد الطبيعية، والممارسات البشرية الخاطئة التي ينطلق فيها الكثير من ثقافة بيئية متدنية.
واتفق الدكتور الجزائري نور الدين حامد الذي يعمل في جامعة الجوف، مع الدكتورة اوغوستيني، عندما استعرض التجربة الجزائرية في محاربة التصحر، والتي تبنتها الحكومة عبر مشروعها الوطني الذي أطلقت عليه الحزام الأخضر، ثم استعانت بمنظمات وطنية علمية وبحثية وتوعوية للوصول لمعدلات النجاح المنشودة، التي تعذر الوصول لها عند محاولة الدولة العمل في ذلك وحيدة، خصوصاً وأن ٧٥% من مساحة الجزائر تمثل صحراء، وكيف أن هذه الصحراء باتت أكبر مهدد للحياة هناك، بسبب زحف رمال هذه الصحراء باتجاه المناطق الخضراء القريبة منها، إلى جانب الممارسات البشرية الخاطئة في هذا الجانب، ما يجعلها وسيلة مساعدة للزحف الرملي على القضاء على الرقعة الخضراء.
وفضّل كلاً من المسؤول في الأمم المتحدة زيلايا بونيلا ومندوب منظمة IGAD التي تضم في عضويتها ٨ دول القرن الأفريقي الدكتور تيدفايي بيشاه ورئيس مجلس إدارة جمعية آفاق خضراء البيئة الدكتور عبدالرحمن الصقير وعضو هيئة المساحة الجيولوجية عبدالرحمن الزهراني، إلى استعراض أهم التحديات والأخطار التي تهدد البقعة الخضراء وتنذر بالتصحر الوشيك، التي وقفوا عليها خلال دراستهم لمناطق معينة في إفريقيا والمملكة العربية السعودية، مؤكدين أن الحلول تتمثل بالجدية في العمل حالاً على أرض الواقع واضطلاع المؤسسات الحكومية والأهلية والمنظمات الدولية المهتمة بالبيئة بمسؤولياتهم والتعاون البناء لاستعادة الأراضي الخضراء المتدهورة واستزراع الصحاري عبر تأهيل تربتها، والاستفادة من تقنيات تحلية مياه البحار ومياه الصرف الصحي المعالجة، ووضع السياسات والاستراتيجيات المناسبة لتحقيق هذه الطموحات والتطلعات التي صارت هماً عالمياً، لأن التصحر عدو البيئة الذي أعلن حربه، متسلحاً بجيشه المكون من التغييرات المناخية والحروب والكوارث الطبيعية والثقافة البيئية المتدنية لدى البشرية عموماً، وتدفعهم لممارسات خاطئة وإجرامية في حق البيئة.





